ملحم زين: الصوت الجبلي الذي أسّس لمدرسة غنائية متميّزة في الطرب العربي
يُعتبر ملحم زين من أبرز الأصوات الغنائية في العالم العربي خلال العقود الأخيرة، حيث تمكن بصوته الجبلي القوي، وإحساسه الطربي العميق، من أن يحجز لنفسه مكاناً مرموقاً في المشهد الموسيقي اللبناني والعربي. لم يكن ظهوره المفاجئ في برنامج “سوبر ستار” عام 2003 سوى شرارة البداية لمسيرة فنية استثنائية امتدت على مدى أكثر من عقدين، تميزت بالثبات الفني والتجدد في الوقت ذاته، كما أن بصمته الخاصة في أداء المواويل والأغاني التراثية جعلت منه اسماً محفوراً في وجدان الجمهور.
النشأة والبدايات
وُلد ملحم زين في بلدة شمسطار الواقعة في محافظة بعلبك – الهرمل في لبنان، بتاريخ 21 أكتوبر 1982. ينتمي إلى عائلة كبيرة تتألف من ثمانية أولاد، وقد نشأ في بيئة محافظة تتجذر فيها القيم العائلية والتقاليد الثقافية اللبنانية. تأثر منذ طفولته بالأغاني الجبلية والمواويل الشعبية التي كانت تُبث في المناسبات المحلية، وكان يجد في صوت وديع الصافي وأسلوب صباح فخري مصدر إلهامٍ حقيقي.
منذ سنواته الأولى، كان واضحاً أن ملحم يمتلك موهبة فريدة، وقد أظهر شغفاً بالموسيقى والغناء، حيث بدأ بالغناء في المدارس والمناسبات العائلية. لاحظ من حوله جمال صوته وقوته في تأدية المواويل، مما دفعه إلى التفكير الجاد في احتراف الغناء، لكن الظروف الاجتماعية والمادية في بيئته لم تكن سهلة، ما جعله يتريث قليلاً في اتخاذ القرار النهائي بالاتجاه نحو المجال الفني.
الانطلاقة من بوابة برامج المواهب
بدأت مسيرة ملحم زين الفنية الفعلية عندما شارك في برنامج “كأس النجوم” الذي كان يُعرض على شاشة LBC، حيث أدى أغنيات للفنان محمد عبد الوهاب، لكنه لم يحقق الشهرة الواسعة في تلك المرحلة. الانطلاقة الحقيقية جاءت من خلال مشاركته في برنامج “سوبر ستار” بنسخته الأولى عام 2003، وهو النسخة العربية من برنامج “Pop Idol”، حيث أذهل لجنة التحكيم والجمهور بأدائه الاستثنائي لأغنيات طربية صعبة، خصوصاً الأغاني الجبلية التي تحتاج إلى خامة صوتية نادرة وتحكم فني كبير.
رغم أن ملحم زين لم يفز بالمركز الأول في البرنامج، حيث حصل على المرتبة الثالثة، إلا أن أداؤه في الحلقات المباشرة ترك أثراً كبيراً لدى الجمهور، وسرعان ما تحوّل إلى ظاهرة فنية. وقد أثبتت السنوات التالية أن الخسارة في البرنامج لم تكن نهاية، بل بداية لمسيرة لامعة ومستمرة حتى اليوم.
الصوت الجبلي والهوية الفنية
تميّز ملحم زين بخامة صوتية قوية نادرة، تجمع بين الدفء والقوة، وبين العذوبة والسيطرة العالية على المقامات الشرقية. صوته يوصف غالباً بـ”الصوت الجبلي”، وهو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى الأصوات ذات الحضور الطاغي والقدرة على غناء المواويل والأغاني التراثية بأسلوب مؤثر ومتفرد.
عُرف عنه إتقانه لأداء الأغاني الصعبة مثل أغاني وديع الصافي، وصباح فخري، وعبد الحليم حافظ، لكنه حرص منذ بدايته على بناء هوية فنية خاصة به. لم يكن مجرد مؤدٍّ لأعمال الغير، بل اختار أن يصنع لنفسه خطاً موسيقياً يجمع بين الأصالة والتجديد، مستنداً إلى الإرث الغنائي اللبناني والعربي، لكنه في الوقت نفسه متفاعل مع الذوق الموسيقي المعاصر.
أبرز الأعمال الغنائية
أصدر ملحم زين عدة ألبومات ناجحة منذ بداية مسيرته، كان لها أثر واسع في الساحة الفنية. ومن أبرز هذه الألبومات:
-
“انت مشيتي” (2004): شكّل هذا الألبوم أول إطلالة رسمية لملحم زين بعد برنامج “سوبر ستار”، وحقق نجاحاً كبيراً خصوصاً بأغنيته التي حملت عنوان الألبوم.
-
“بعشقك” (2006): تميز الألبوم بتنوعه الموسيقي واختياراته الدقيقة، وكرّس ملحم زين كأحد نجوم الطرب المعاصرين.
-
“أوقاتي بتحلو” (2008): احتوى الألبوم على أغاني طربية قدمها بأسلوبه الخاص، بالإضافة إلى بعض الأغاني الشبابية التي أظهرت مرونته في أداء مختلف الأنماط.
-
“الجرح اللي بعدو” (2012): مزج فيه بين الطرب الكلاسيكي والموسيقى الحديثة، وأثبت قدرته على التجديد دون التنازل عن هويته.
-
“الناس العزاز” (2017): احتوى على أغانٍ لاقت استحساناً كبيراً في العالم العربي، وأبرزها “ضلي اضحكي” و”بدي حبك”.
إلى جانب الألبومات، أصدر ملحم زين العديد من الأغاني المنفردة التي لاقت رواجاً واسعاً، منها: “غيبي يا شمس”، “علواه”، “كرمال عيونك”، و”ضلي ضحكي”.
الحضور على خشبة المسرح
يُعد ملحم زين من الفنانين القلائل الذين يحظون بحضور طاغٍ على خشبة المسرح، فهو يتمتع بكاريزما عالية تجعل جمهوره يتفاعل معه بشغف. يقدم حفلاته بأسلوب قريب من الطرب الأصيل، مع اعتماد على ارتجالات صوتية تُبرز مهاراته التقنية. شارك في مهرجانات عربية كبرى، مثل مهرجانات بعلبك وبيت الدين في لبنان، ومهرجان قرطاج في تونس، ومهرجان جرش في الأردن، إلى جانب حفلات جماهيرية في الخليج ومصر.
الإسهام في الحفاظ على التراث الغنائي
إلى جانب مسيرته الغنائية الخاصة، يُعتبر ملحم زين أحد أبرز المدافعين عن التراث الغنائي اللبناني والعربي. كثيراً ما يُعيد إحياء أغنيات تراثية بطريقته الخاصة، مع الحفاظ على روحها الأصيلة. كما ساهم في نشر ثقافة الموشحات والأغاني الكلاسيكية لدى الجيل الجديد، من خلال غنائه في برامج تلفزيونية ومناسبات وطنية.
حياته الشخصية
يتسم ملحم زين بحياة شخصية مستقرة نسبياً، وهو متزوج من تماني علي سلام، ابنة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق تمام سلام، وله منها أربعة أولاد. يحرص على إبقاء حياته العائلية بعيدة عن الأضواء، ويظهر دوماً بصورة الأب الملتزم والعائلة المتماسكة، ما جعله محبوباً ليس فقط كفنان، بل أيضاً كشخصية عامة متزنة.
الأثر الإعلامي والجماهيري
يحظى ملحم زين بجماهيرية واسعة في لبنان والعالم العربي، خصوصاً بين فئات تحب الطرب الأصيل والموسيقى الهادئة ذات القيمة الفنية. يتمتع بعلاقة ودية مع الإعلام، ويُعرف عنه تواضعه وابتعاده عن إثارة الجدل. لم يعتمد على أساليب الإثارة أو الحملات الإعلانية الصاخبة لبناء نجوميته، بل اعتمد على صوته وفنه، وهو ما جعله يحظى باحترام واسع بين النقاد والجمهور.
دوره في لجنة التحكيم والمجال الإعلامي
شارك ملحم زين في بعض برامج المواهب كعضو لجنة تحكيم، ومن أبرزها برنامج “The Voice Senior”، حيث قدّم رأياً فنياً ناضجاً مبنياً على خبرته الطويلة في المجال. لعب دوراً تشجيعياً للشباب، وغالباً ما كان يدفع بالمواهب الحقيقية للاستمرار والتركيز على تطوير قدراتهم الفنية.
الجدول الزمني لمسيرته الفنية
| السنة | الحدث البارز |
|---|---|
| 2003 | الظهور في برنامج سوبر ستار والحصول على المرتبة الثالثة |
| 2004 | إصدار أول ألبوم “انت مشيتي” |
| 2006 | إصدار ألبوم “بعشقك” وبدء حفلات خارجية |
| 2012 | إطلاق ألبوم “الجرح اللي بعدو” |
| 2017 | إصدار “الناس العزاز” وتحقيق نجاح جماهيري كبير |
| 2020 | المشاركة في The Voice Senior كعضو لجنة تحكيم |
التأثير الثقافي والاجتماعي
لا يمكن قياس قيمة ملحم زين الفنية من خلال عدد الألبومات أو الأغاني فقط، بل من خلال تأثيره الثقافي والاجتماعي. استطاع أن يعيد ربط الجمهور الشاب بالأغنية التراثية بأسلوب معاصر، ونجح في المحافظة على أصالة الفن الطربي في ظل هيمنة الموسيقى التجارية السريعة. كما يُعدّ من الفنانين القلائل الذين حافظوا على مكانتهم دون أن يتنازلوا عن نوعية العمل أو يدخلوا في موجات الغناء الهابط.
الخلاصة
ملحم زين هو تجسيد للفنان الملتزم الذي استطاع أن يبني لنفسه قاعدة جماهيرية واسعة على امتداد الوطن العربي، من خلال صوته العذب، واحترامه لتراثه، وحرصه على تقديم فن راقٍ وهادف. يشكّل اليوم أحد أعمدة الطرب المعاصر، ورمزاً للصوت الجبلي الأصيل الذي لا يزال يصدح في زمن التغيرات السريعة والأنماط الموسيقية المتبدّلة.
المصادر:
-
مقابلات رسمية مع ملحم زين على قناة MTV وLBC
-
أرشيف برنامج سوبر ستار وThe Voice Senior

